41- فِرَّ من المشاكل !!
أظنه لو أجرى تحليلاً في مستشفى بدائي لاكتشف في جسمه عشرة أنواع من الأمراض .. أهونها الضغط والسكر ..
كان المسكين يعذب نفسه كثيراً لأنه يطالب الناس بالمثالية التامة .. دائماً تجده متضايقاً من زوجته ..
كسرت الصحن الجديد ..
نسيت كنس الصالة ..
أحرقت ثوبي الجديد بالمكواة ..
وأولاده .. خالد إلى الآن لم يحفظ جدول الضرب ..
وسعد .. لم يظفر بتقدير ممتاز ..
وسارة .. وهند ..
هذا حاله في بيته ..
أما بين زملائه .. فأعظم .. أبو عبد الله قصدني لما ذكر قصة البخيل ..!
والبارحة أبو أحمد يعنيني لما تكلم عن السيارات القديمة .. نعم يقصد سيارتي .. نعم .. كان ينظر إليَّ ..
إلى آخر مواقف وتفكيرات هذا الرجل المسكين ..
قديماً قالوا في المثل : إن أطاعك الزمان وإلا فأطعه ..
أذكر أن أعرابياً - من أصدقائي - كان يردد مثلاً حفظه من جده .. كان يسمعني إياه كثيراً إذا بدأت أتفلسف عليه ببعض المعلومات .. فكان يخرج زفيراً طوييييلاً من صدره ثم يقول : ياااا شيخ .. اليد اللي ما تقدر تلويها صافحها ..!!
وإذا تفكرت في هذا وجدته صحيحاً .. فنحن إذا لم نعود أنفسنا على التسامح وتمشية الأمور .. أو بمعنى آخر التغابي .. وعدم الإغراق في التفسيرات والظنون .. وإلا فسوف نتعب كثيراً ..
ليس الغبي بسيد في قومه .. لكن سيد قومه المتغابي
وأذكر أن شاباً متحمساً أقبل إلى شيخه يريده أن يساعده في اختيار زوجة تكون رفيقة دربه حتى الممات .. فقال الشيخ : ما هي الصفات التي ترغب وجودها في زوجتك ؟
فقال : منظرها جميل .. وقوامها طويل .. وشعرها حرير.. ورائحتها عبير .. لذيذة الطعام .. عذبة الكلام .. إن نظرت إليها سرتني .. وإن غبت عنها حفظتني .. لا تخالف لي أمراً .. ولا أخشى منها شراً .. لها دين يرفعها .. وحكمة تنفعها ..
وراح يسرد من صفات الكمال المتفرقة في النساء ويجمعها في امرأة واحدة ..
فلما أكثر على الشيخ .. قال له : يا ولدي .. عندي طلبك ..
قال : أين ؟ قال : في الجنة بإذن الله .. أما في الدنيا فعود نفسك التسامح ..
نعم في الدنيا عود نفسك التسامح .. لا تعذب نفسك بالبحث عن مشاكل لإثارتها .. والنقاش حولها ..
فيوماً تصرخ في وجه جليس : أنت تقصدني بكلامك ؟
ويوماً في وجه ولدك : أنت تريد أن تحزنني بكسلك ؟
ويوماً في وجه زوجتك : أنت تتعمدين إهمال بيتك ؟ ...
وقد كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم .. التسامح عموماً .. فكان يستمتع بحياته ..
كان يدخل صلى الله عليه وسلم على أهله أحياناً .. في الضحى .. وهو جائع .. فيسألهم : هل عندكم من شيء .. عندكم طعام ..
فيقولون : لا ..
فيقول صلى الله عليه وسلم : إني إذا صائم ..
ولم يكن يصنع لأجل ذلك مشاكل .. ما كان يقول : لِمَ لم تصنعوا طعاماً .. لِم لم تخبروني لأشتري .. إني إذا صائم .. وانتهى الأمر ..()
وكان في تعامله مع الناس .. يتعامل بكل سماحة ..
قال كلثوم بن الحصين .. كان من خيار الصحابة ..
قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك .. فسرت ذات ليلة معه ونحن بوادي "الأخضر" ..
أطالوا المشي .. فجعل يغلبه النعاس ..
وجعلت ناقته تقترب من ناقة النبي صلى الله عليه وسلم .. ويستيقظ فجأة .. فيبعدها .. خوفاً من أن يصيب رحل ناقته رجل النبي صلى الله عليه وسلم ..
حتى غلبته عينه في بعض الطريق .. فزاحمت راحلته راحلة النبي صلى الله عليه وسلم .. وضرب رحله رجل النبي صلى الله عليه وسلم .. فآلمه ..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم من حر ما يجد : " حسّ "
فاستيقظ كلثوم .. فاضطرب وقال :
يا رسول الله .. استغفر لي ..
فقال صلى الله عليه وسلم بكل سماحة : سِرْ .. سِرْ ..
نعم : سِرْ .. ولم يعمل قضية .. لماذا تضايقني ؟ الطريق واسع ! ما الذي جاء بك بجانبي ؟! لا .. لم يتعب نفسه .. ضربة رجل .. وانتهت ..
كان هذا أسلوبه صلى الله عليه وسلم دائماً ..
جلس يوماً بين أصحابه ..
فأقبلت إليه امرأة ببردة .. قطعة قماش ..
فقالت : يا رسول الله .. إني نسجت هذه بيدي .. أكسوكها ..
فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم .. وكان محتاجاً إليها ..
وقام ودخل بيته .. فلبسها .. ثم خرج إلى أصحابه وهي إزاره ..
فقال رجل من القوم : يا رسول الله .. اكسنيها ..
فقال صلى الله عليه وسلم : نعم ..
ثم رجع صلى الله عليه وسلم .. فخلعها وطواها .. ولبس إزاراً قديماً ..
ثم أرسل بها إلى الرجل ..
فقال الناس للرجل : ما أحسنت .. سألته إياها وقد علمت أنه لا يرد سائلاً ؟!
فقال الرجل : والله ما سألته .. إلا لتكون كفني يوم أموت ..
فلما مات الرجل .. كفنه أهله فيها () ..
ما أجمل احتواء الناس بهذه التعاملات ..
قام صلى الله عليه وسلم يوماً يؤم أصحابه في صلاة العشاء ..
فدخل إلى المسجد طفلان .. الحسن والحسين .. ابنا فاطمة رضي الله عنه ..
فأقبلا إلى جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو يصلي ..
فكان إذا سجد .. وثب الحسن والحسين على ظهره ..
فإذا أراد صلى الله عليه وسلم أن يرفع رأسه .. تناولهما بيديه من خلفه تناولاً رفيقاً ..
ووضعهما عن ظهره .. فجلسا جانباً ..
فإذا عاد لسجوده .. عادا فوثبا على ظهره ..
حتى قضى صلى الله عليه وسلم صلاته ..
فأخذهما بكل رفق .. وأقعدهما على فخذيه ..
فقام أبو هريرة رضي الله عنه .. فقال : يا رسول الله .. أردُّهما ..؟ يعني أعيدهما لأمهما ..؟
فلم يعجل صلى الله عليه وسلم عليهما ..
ثم لبث قليلاً .. فبرقت برقة من السماء ..
فقال لهما صلى الله عليه وسلم : الحقا بأمكما .. فقاما فدخلا على أمهما ..()
وفي يوم آخر ..
خرج النبي عليه صلى الله عليه وسلم .. على أصحابه في إحدى صلاتي الظهر أو العصر ..
وهو حامل الحسن أو الحسين ..
فتقدم إلى موضع صلاته .. فوضعه .. ثم كبر مصلياً بالناس ..
فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدة .. أطالها .. حتى خشي عليه أصحابه أن يكون قد أصابه شيء ..
ثم رفع من سجوده ..
وبعد انتهاء الصلاة .. سأله أصحابه .. قالوا : يا رسول الله .. لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها ..!! أشيء أمرت به ؟ أو كان يوحى إليك ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : كل ذلك لم يكن .. ولكن ابني ارتحلني .. فكرهت أن أعجله .. حتى يقضي حاجته .. () ..
ودخل صلى الله عليه وسلم يوماً على أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنه .. وكان جائعاً ..
فقال : هل عندك من طعام نأكله ؟
فقالت : ليس عندي إلا كسر يابسة .. وإني لأستحي أن أقدمها إليك ..
فقال : هلمي بهن ..
فأتته بهن .. فكسرهن في ماء .. وجاءت بملح فذرته عليه ..
فجعل صلى الله عليه وسلم .. يأكل هذا الخبز مخلوطاً بالماء ..
فالتفت إلى أم هانئ وقال : هل من إدام ؟
فقالت : ما عندي يا رسول الله إلا شيء من "خلٍّ" ..
فقال : هلميه ..
فجاءته به .. فصبه على طعامه .. فأكل منه ..
ثم حمد الله عز وجل .. ثم قال : نعم الإدام الخل () ..
نعم .. كان يعيش حياته كما هي .. يتقبل الأمور بحسب ما هي عليه ..
وفي رحلة الحج ..
خرج صلى الله عليه وسلم مع أصحابه .. فنزلوا منزلاً .. فذهب النبي صلى الله عليه وسلم فقضى حاجته ..
ثم جاء إلى حوض ماء فتوضأ منه ..
ثم قام صلى الله عليه وسلم ليصلي ..
جاء جابر بن عبد الله رضي الله عنه .. فوقف عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكبّر مصلياً معه ..
فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده .. فأداره حتى أقامه عن يمينه ..
ومضيا في صلاتهما ..
فجاء جبار بن صخر رضي الله عنه .. فتوضأ ..
ثم أقبل فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فأخذ صلى الله عليه وسلم بأيديهما جميعاً – بكل هدوء - فدفعهما حتى أقامهما خلفه () ..
وفي يوم كان صلى الله عليه وسلم جالساً ..
فأقلبت إليه أم قيس بنت محصن بابن لها حديث الولادة .. ليحنكه ويدعو له ..
فأخذه صلى الله عليه وسلم فجعله في حجره .. فلم يلبث الصغير أن بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم .. وبلل ثيابه بالبول ..
فلم يزد النبي صلى الله عليه وسلم على أن دعا بماء فنضحه على أثر البول () ..
وانتهى الأمر .. لم يغضب .. ولم يعبس ..
فلماذا نعذب نحن أنفسنا ونصنع من الحبة قبة .. ليس شرطاً أن يكون كل ما يقع حولك مرضياً لك 100% ..
وإن تجد عيباً فسدَّ الخللا جل من لا عيب فيه وعلا
بعض الناس يحرق أعصابه .. ويكبر القضايا .. وبعض الآباء والأمهات كذلك .. وربما بعض المدرسين والمدرسات كذلك ..
ولا تفتش عن الأخطاء الخفية ..
وكن سمحاً في قبول أعذار الآخرين .. خاصة من يعتذرون إليك حفاظاً على محبتهم معك .. لا لأجل مصالح شخصية ..
اقبل معاذير من يأتيك معتذراً
إن برَّ عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من يرضيك ظاهره
وقد أجلّك من يعصيك مستتراً
وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقد رقى منبره يوماً ..
وخطب بأصحابه فرفع صوته حتى أسمع النساء العواتق في خدورها داخل بيوتهن ..!!
فقال صلى الله عليه وسلم : يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه .. لا تغتابوا المسلمين .. ولا تتبعوا عوراتهم ..فإنه من يتبع عورة أخيه .. يتبع الله عورته .. ومن يتبع الله عورته .. يفضحه ولو في جوف بيته .. () ..
نعم لا تتصيد الأخطاء .. وتتبع العورات .. كن سمحاً ..
وكان صلى الله عليه وسلم حريصاً على عدم إثارة المشكلات أصلاً ..
في مجلس هادئ مع بعض أصحابه .. صفت فيه النفوس .. واطمأنت القلوب .. قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه :
ألا لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاً .. فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر .. () ..
لا تعذب نفسك ..
لا تثر على نفسك الغبار ما دام ساكناً .. وإن ثار فسدَّ أنفك بِكُمِّك .. واستمتع بحياتك ..
42- اعترف بخطئك .. لا تكابر ..
كثير من المشاكل التي ربما تستمر العداوة بسببها .. سنة وسنتين .. وربما العمر كله .. يكون حلها أن يقول أحدهما للآخر : أنا أخطأت .. وأعتذر ..
موعد أخلفته .. أو مزحة ثقيلة ..أو كلمة نابية .. سارع إلى إطفاء شرارها قبل أن تضطرم النار بسببها ..
أنا آسف .. حقك عليَّ .. ما يصير خاطرك إلا طيب ..
ما أجمل أن نتواضع ونسمع الناس هذه العبارات ..
وقعت خصومة بين أبي ذر وبلال .. رضي الله عنهما .. وهما صحابيان .. لكنهما بشر ..
فغضب أبو ذر .. وقال لبلال : يا ابن السوداء ..
فشكاه بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أساببت فلاناً ؟
قال : نعم ..
قال : فهل ذكرت أمه ؟
قال : من يسابب الرجال .. ذُكر أبوه وأمه يا رسول الله ..
فقال صلى الله عليه وسلم : إنك امرؤ فيك جاهلية ..
فتغير أبو ذر .. وقال : على ساعتي من الكبر ..؟
قال : نعم ..
ثم أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم منهجاً يتعامل به مع من هم أقل منه فقال :
إنما هم إخوانكم .. جعلهم الله تحت أيديكم .. فمن كان أخوه تحت يده .. فليطعمه من طعامه .. وليلبسه من لباسه .. ولا يكلفه ما يغلبه .. فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه ..
فماذا فعل أبو ذر رضي الله عنه ؟!
مضى أبو ذر حتى لقي بلالاً .. ثم اعتذر .. وقعد على الأرض .. بين يدي بلال .. ثم جعل يقرب من الأرض حتى وضع خده على التراب وقال : يا بلال .. طأ برجلك على خدي .. ()
هكذا كان الصحابة رضي الله عنهم في حرصهم على إطفاء نار العداوة قبل اشتعالها .. فإن اشتعلت منعوها من الامتداد ..
وقعت بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم محاورة .. فأغضب أبو بكر عمرَ ..
فانصرف عنه عمرُ مغضباً ..
فلما رأى أبو بكر ذلك .. ندم .. وخشي أن يتطور الأمر ..
فانطلق يتبع عمر .. ويقول : استغفر لي يا عمر ..
وعمر لا يلتفت إليه .. وأبو بكر يعتذر .. ويمشي وراءه حتى وصل عمر إلى بيته .. وأغلق بابه في وجهه ..
فمضى أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم مقبلاً من بعيد .. رآه متغيراً .. فقال :
أما صاحبكم هذا فقد غامر .. جلس أبو بكر ساكتاً ..
فلم تمض لحظات .. حتى ندم عمر على ما كان منه .. وكانت قلوبهم بيضاء ..
فأقبل إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فسلم وجلس بجانب النبي صلى الله عليه وسلم .. وقص عليه الخبر ..
وحكى كيف أعرض عن أبي بكر ولم يقبل اعتذاره ..
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فلما رأى أبو بكر غضبه .. جعل يقول : والله يا رسول الله .. لأنا كنت أظلم .. أنا كنت أظلم ..
وجعل يدافع عن عمر ويعتذر له ..
فقال صلى الله عليه وسلم : هل أنتم تاركون لي صاحبي ؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي ؟ إني قلت : يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً .. فقلتم : كذبت .. وقال أبو بكر : صدقت () ..
وانتبه أن تكون ممن يصلح الناس ويفسد نفسه .. يدور بها كما يدور الحمار في الرحى ..
فإذا كنت في موضع توجيه أو اقتداء .. كمدرس مع طلابه .. وأب مع أولاده .. أو أم .. وكذلك الزوجان مع بعضهما ..
وزع عمر رضي الله عنه ثياباً على الناس .. فنال كل واحد قطعة قماش تكفيه إزاراً أو رداءً ..
ثم قام يخطب الناس يوم الجمعة ..
فقال في أول خطبته : إن الله كتب لي عليكم السمع والطاعة ..
فقام رجل من القوم وقال : لا سمع لك ولا طاعة ..
فقال عمر : لمه ؟
قال : لأنك قسمت علينا ثوباً .. ثوباً .. وأنت تلبس ثوبين جديدين ..
أي إزارك ورداؤك .. كلاهما نلحظ أنه جديد ..
فقال عمر : قم يا عبد الله بن عمر .. فقام .. فقال : ألست دفعت لي ثوبك لأخطب به ..؟
قال : نعم ..
فقعد الرجل وقال : الآن نسمع ونطيع .. وانتهت المشكلة ..
عزيزي لا تعجل عليَّ .. أنا معك أن أسلوب الرجل لما اعترض على عمر .. غير مناسب .. لكن العجب هو من قدرة عمر على استيعاب الموقف .. وإطفاء النار ..
وأخيراً .. إذا أردت أن يقبل الناس منك ملاحظتك .. ونصحك .. أياً كانوا .. زوجة .. ولداً .. أختاً ..
فكن أنت متقبلاً للنصح أصلاً .. غير متكبر عنه ..
كان كثيراً ما يقول لها : اعتن بأولادك أكثر .. اطبخي جيداً .. إلى متى أقول : رتبي غرفة النوم ..
وكانت تردد دائماً بكل أريحية : أبشر .. إن شاء الله .. أمرك ..
قالت له يوماً – ناصحة - : الأولاد في أيام اختبارات ويحتاجون وجودك بينهم .. فلا تتأخر إذا خرجت لأصحابك .. فما كاد يسمع منها ذلك حتى صاح بها :
لست متفرغاً لهم .. أتأخر أو لا أتأخر .. ليس شغلك .. ليس لك دخل فيَّ ..
فبالله عليك قل لي : كيف تريدها أن تقبل منه نصحاً بعد ذلك !!
وأخيراً ..
الذكي .. هو الذي يسد الفتحات في جداره حتى لا يستطيع الناس أن يسترقوا النظر ..
بمعنى : أن لا تفتح مجالاً لشك الناس فيك ..
أذكر أن إحدى الجمعيات الدعوية استدعت مجموعة من الدعاة لعقد محاضرات في ألبانيا ..
كان رئيس المراكز الدعوية في ألبانيا حاضراً الاجتماع ..
نظرنا إليه .. فإذا ليس في خديه شعرة واحدة ..
فنظر بعضنا إلى بعض مستغرباً ..!! فقد جرت العادة أن يكون الداعية ملتزماً بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معفياً لحيته .. ولو بعضها .. فكيف برئيس الدعاة ؟!
فلما ابتدأ الاجتماع قال لنا ضاحكاً : يا جماعة .. أنا أمرد .. أصلاً لا ينبت لي لحية .. لا تعملوا لي محاضرة إذا انتهينا ..
تبسمنا وشكرناه ..
وإن شئت فارحل معي إلى المدينة .. وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان معتكفاً في مسجده في ليالي رمضان ..
فأقبلت إليه زوجه صفية بنت حيي رضي الله عنه زائرة ..
فمكثت عنده قليلاً ..
ثم قامت لتعود لبيتها ..
فلم يشأ النبي صلى الله عليه وسلم أن تعود في ظلمة الليل وحدها ..
فقام معها ليوصلها ..
فمشى معها في الطريق .. فمر به رجلان من الأنصار ..
فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة معه .. أسرعا ..
فقال صلى الله عليه وسلم لهما : على رسلكما إنها صفية بنت حيي ..
فقالا : سبحان الله يا رسول الله .. أي : أيُعقل أن نشك فيك أن يكون معك امرأة أجنبية عنك ..!!
فقال صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم .. وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً .. أو قال شيئاً .. () ..
شجاعة ..
ليست الشجاعة أن تصر على خطئك .. وإنما أن تعترف به .. ولا تكرره مرة أخرى ..