الأربعاء، 18 أبريل 2012

44- فَـكِّك الحزمة ..!!

44- فَـكِّك الحزمة ..!!

إذا كان الخطأ واقعاً من مجموعة .. فالأصل أن تنصحهم وهم مجتمعون .. 
ولكن قد تحتاج أحياناً أن تفكك الحزمة .. أعني ..أن تكلم كل واحد علىا حدة .. وتنصحه .
مثال : مررت بمجلس منزلكم .. وسمعت أخاك يتحدث مع أصدقائه – وكانوا ضيوفاً عنده – ويخططون أن يسافروا إلى بلد كذا .. وهذا البلد لا يسلم من يذهب إليه غالباً من التعرض للمحرمات الكبار .. كالزنا وشرب الخمر .. 
أردت أن تنصح .. 
من الأساليب أن تدخل عليهم وتنصحهم بكلمتين .. وتخرج .. لكن نتيجة ذلك قد لا تكون ناجحة كثيراً ..
فما رأيك أن تفكك الحزمة .. وتكسر كل عود على حدة ..
كيف ؟!
إذا تفرقوا اجلس مع من تظنه أعقلهم .. وقل : يا فلان .. بلغني أنكم ستسافرون .. وأنت أعقلهم .. وتعلم أن هذا البلد لا يسلم المسافر إليه من البلايا والفتن .. وقد يعود مريضاً أو مبتلى .. فما رأيك أن تكسب أجرهم .. وتقترح عليهم أن يسافروا إلى بلد آخر .. تستمتعون فيه بالأنهار والبحار .. واللعب والأنس .. من غير معصية .. 
لا شك أنه إذا سمع منك هذا الكلام بالأسلوب الحسن .. سيقل حماسه إلى النصف ..
اذهب إلى آخر .. وقل له مثل ذلك ..
ثم قل للثالث مثله ..
دون أن يشعر كل منهم بحديثك لصاحبه ..
فتجد أنهم إذا اجتمعوا .. وتشجَّع أحدهم واقترح تغيير البلد .. وجد من يعاونه ..
أو لو اكتشفت يوماً أن أولادك يجتمعون في غرفة أحدهم .. وينظرون إلى شريط فيديو خليع .. أو مقاطع ( بلوتوث ) فيها صور خليعة .. أو نحو ذلك ..
فقد يكون من المناسب أن تنصح كلاً منهم على حدة .. لكيلا تأخذهم العزة بالإثم ..
هل لهذا شاهد من السيرة ؟ نعم ..
لما اشتد الخلاف بين رسول الله صلى الله عليه وسلم   وبين قريش ..
اجتمعت قريش وقاطعت النبي وجميع أقاربه من بني هاشم .. وكتبت صحيفة أن بني هاشم لا يُشترى منهم .. ولا يُباع عليهم .. ولا يُزوَّجون .. ولا يُتزوَّج منهم ..
وحُبس النبي صلى الله عليه وسلم  مع أصحابه في وادٍ غير ذي زرع ..
واشتدت الكربة على الصحابة حتى أكلوا الشجر .. 
بل مضى أحدهم يوماً ليبول .. فسمع صوتاً تحته .. فنظر فإذا قطعة من جلد بعير .. فأخذها .. وغسلها وشواها بالنار .. ثم فتّـتَـتها .. وخلطها بالماء .. وجعل يتموَّن بها ثلاثة أيام !!
فقال صلى الله عليه وسلم  يوماً لعمه أبي طالب – وكان محبوساً معهم في الشعب - :
يا عم إن الله قد سلط الأَرَضة على صحيفة قريش .. فلم تدع فيها اسماً هو لله إلا أثبتته فيها .. ونفت منها الظلم والقطيعة والبهتان .. 
أي إن دابة الأرضة أكلت صحيفة قريشس فلم يبق منها إلا عبارة : باسمك اللهم !!
فعجب أبو طالب وقال : أربك أخبرك بهذا ؟ قال : نعم ..
قال : فوالله ما يدخل عليك أحد .. حتى أخبر قريشاً بذلك .. 
ثم خرج إلى قريش فقال : 
يا معشر قريش .. إن ابن أخي قد أخبرني بكذا وكذا ..
فهلمَّ صحيفتكم .. 
فإن كانت كما قال فانتهوا عن قطيعتنا وانزلوا عنها ..
وإن كان كاذباً .. دفعت إليكم ابن أخي فافعلوا به ما شئتم ..
فقال القوم : قد رضينا .. فتعاقدوا على ذلك ..
ثم نظروا فإذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   .. فزادهم ذلك شراً .. 
وظل بنو هاشم وبنو المطلب في واديهم .. حتى كادوا أن يهلكوا ..
وكان من كفار قريش رجال رحماء ..
منهم : هشام بن عمرو .. وكان ذا شرف في قومه ..
فكان يأتي بالبعير قد حمله طعاماً .. وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب ليلاً ..
حتى إذا بلغ به فم الشعب .. خلع خطامه من رأسه ثم ضرب على جنبه فدخل الشعب عليهم ..
ومضت اليام ورأى هشام .. أنه لا طاقة له بإطعامهم كل ليلة .. وهم كثير ..
فقرر أن يسعى لنقض الصحيفة الظالمة .. ولكن أنى له ذلك وقريش قد أجمعت عليها ..
فاتبع أسلوب تفكيك الحزمة ..
مشى إلى زهير بن أبي أمية .. وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب ..
فقال : يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء .. وأخوالك حيث علمت ؟ لا يباع لهم ولا يبتاع منهم .. ولا يُنَكَّحون ولا يُنكحُ إليهم ؟!
أما إني أحلف بالله لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام .. - يعني أبا جهل .. وكان أشدهم عداوة للمؤمنين وتعصباً للمقاطعة .. – ما تركهم على هذا لاحال .. 
قال : ويحك يا هشام .. فماذا أصنع  ؟ 
إنما أنا رجل واحد والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها ..
قال : قد وجدت رجلاً .. 
قال : من هو ؟ 
قال : أنا .. 
قال زهير : أبغنا ثالثاً .. 
قال هشام : فاكتم عني ..
فذهب إلى المطعم بن عدي .. وكان رجلاً عاقلاً .. فقال له :  يا مطعم .. أرضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف .. وأنت شاهد على ذلك .. موافق لقريش فيه ؟! 
قال : ويحك فماذا أصنع ؟ إنما أنا رجل واحد .. 
قال : وجدت لك ثانياً .. 
قال : من ؟ قال : أنا .. 
قال : أبغنا ثالثاً . 
قال : قد فعلت .. قال : من هو ؟ 
قال : زهير بن أبي أمية .. 
قال : أبغنا رابعاً ..
قال : فاكتم عني .. 
فذهب إلى أبي البختري بن هشام .. فقال له ما قال لصاحبيه ..
فتحمس لذلك .. وقال : وهل تجد أحدا يعين على هذا ؟ 
قال : نعم .. 
قال : من هو ؟ 
قال : زهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وأنا معك ..
قال : أبغنا خامساً .. 
فذهب هشام إلى زمعة بن الأسود .. فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم ..
فقال له : وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد ؟ 
قال : نعم .. فلان وفلان .. 
فاتفقوا جميعاً على هذا الرأي .. وتوعدوا عند "حطم الحجون " ليلاً بأعلى مكة .. فاجتمعوا هنالك ..
وأجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها ..
وقال زهير : أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم .. ثم تقموا أنتم فتتكلمون ..
فلما أصبحوا غدوا إلى مجالسهم حول الكعبة .. حيث يجتمع الناس ويتبايعون ..
وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلة ..
فطاف بالبيت سبعاً .. ثم أقبل على الناس وصرخ : 
ياااا أهل مكة أنأكل الطعام ..؟ ونلبس الثياب ..؟ وبنو هاشم هلكي !! لا يباع لهم ولا يبتاع منهم .. والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة .. 
فصرخ أبو جهل ..وكان في مجلس مع أصحابه .. قال : كذبت .. والله لا تشق .. 
فقام زمعة بن الأسود وصرخ : بل أنت والله أكذب .. ما رضينا كتابتها حين كتبت .. 
فالتفت إليه أبو جهل ليرد عليه .. ففاجأه البخترى قائماً يقول : صدق زمعة .. لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به .. 
فالتفت أبو جهل إلى البخنري .. 
فإذا بالمطعم بن عدى يصرخ : صدقتما وكذب من قال غير ذلك .. نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها .. 
وقام هشام بن عمرو وقال مثل قولهم .. 
فتحير أبو جهل .. وسكت هنية ثم قال : هذا أمر قُضِي بليل .. تشوور فيه بغير هذا المكان .. 
ثم انطلق المطعم بن عدي إلى الكعبة .. وتوجه إلى الصحفية ليشقها .. فوجد دابة الأرضة قد أكلتها .. إلا باسمك اللهم .. 

كن ذكياً ..

الطبيب الحاذق يتلمس أولاً بأصابعه .. فيختار الموضع المناسب قبل غرز الإبرة .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق